لا أدري لم أعادتني القصة القصيرة «سن زرافة» التي اختارها كاتبها الأستاذ إياد أمين مدني عنوانا رئيسا لكتابه الذي ضم مقالات وأوراقا جمعها بين دفتي هذا الإصدار الجديد القديم، إلى عمق زمني بعيد كحلم رآه طفل صغير في ديوان سيده الذي هو في مكانة جده لأمه عندما كان يعاقب أحد عبيده، وعندما كانت الدنيا مظلمة ليسترق الإنسان أخاه الإنسان ويستحل كل شيء فيه! يتمدد العبد في استسلام عجيب ويمسك به زملاؤه العبيد ليتناول السيد عصاه وينهال بها ضربا ليشفي غليله رحمهم الله جميعا؟! «ستي فلانة الله يرحمها حطت زرافة .. زرافة؟ قاطعها مستفسرا! أيوه، زرافة جاريتها، حطتها على طرف البركة، وقعدت تضربها بالقبقاب الشامي إلى أن ندرت سنها، والدم صار يخر كده .. وسيدي فلان الله يرحمه شافها من الطاقة وقال لها يا فلانة يا كافرة .. حرام كده تسوي.. ويريد الله، وتاني يوم تروح ستي فلانة تزور الجيران، وتتدردب دردبة من الدرجة، ويطيح سنها .. وهي بنت لساعها زي سن زرافة..؟ أيوه .. وما كان في غير السيد الصالح يسوي الأسنان، وجابوه، وسوى لها سن الذهب اللي تعرفه .. أهو الله يرحمها» ــ «الله يرحمهم جميع». وليس هناك فرق بين ما رآه الطفل الصغير وبين ما سمعه الشاب من جارية أسرته التي أعتقها جده؟!. لم يكن يحدث ذلك هنا فقط، وإنما كان يحدث ويصدر من العالم الذي نعتبره الآن عالم الحرية وحقوق الإنسان!!. ولم يكن هذا فقط الذي تذكرته بعد قراءتي لسن زرافة وإنما أيضا موقف آخر، عندما عملت في صحيفة المدينة عام 1387 هجرية كمحرر ناشئ، إذ فقدت مقالا أعتبره من أفضل ما كتبت، وكان عنوانه «كوخ العم توم» عن قصة الكاتبة الأمريكية هارييت ستاو على ما أذكر، وكان من المفروض أن ينشر في يوميات محرر، وأجازه أستاذنا سباعي عثمان (رحمه الله) وأثنى عليه، وكان أيضا عن الرق، وتركت الصحيفة مساء كالعادة على أمل أن أرى مقالي المشهود في اليوم التالي، وعندها صدمت فيه بغياب المقال، فقد فعلها أستاذنا محمد صلاح الدين الذي كان مديرا للتحرير ومن عادته أن يمر قبل الطبع على الصفحات فيحذف ما شاء له أن يحذف، وكان من نصيب مقالي الإعدام! وللأسف ليس لدي نسخة منه ولا من كل ما كتبت في المدينة الصحيفة حتى أنني رجوت معالي الدكتور غازي عبيد مدني أخيرا أن يجد لي في الأرشيف مجموعة إنتاجي في المدينة ففعل جزاه الله خيرا وأتمنى أن أستلمها قريبا إن شاء الله. ولي عودة لكتاب الأستاذ إياد أمين مدني بإذن الله.
* مستشار إعلامي
ص.ب 13237 جدة 21493
فاكس: 6653126
hamid_abbas@yahoo.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 257 مسـافة ثم الرسـالة